مقالات ودراسات

يا من بلغ أشدّه

بقلم: د. محمد بن علي الرشيد

إلى من بلغ أشده ، وصقلته تجارب الحياة ، إلى من وصل غايته في كمال قوته، وكمال جوارحه وأركانه، إلى من بدأ رحلة النزول بعد طول ترقِّي ، إلى كل من تحمل عناء الطريق وبلغ الأربعين، إلى كل من تقلّب بين مبهرات الأفراح وآلام السنين، إلى كل من قطع ثلثي الرحلة ، وبدأ في عشر الخمسين، أسوق عدداً من الرسائل التي أرجو أن تكون نافعة ماتعة ناصعة ناصحة :

الرسالة الأولى أقول فيها : إن العرب تقول لمن وصل الأربعين : فلان في عشر الخمسين ؛ فإن معدود العقد لما قبله وليس لما بعده ، فيقال في عشر الثلاثين حتى يبلغها ، ويقال في عشر الأربعين حتى يبلغها ، وهكذا ..

فيا من بلغت الأربعين ، وأمسيت من أهل عشر الخمسين ، دعني أسألك وبكل صراحة : هل شعرت بذلك ؟ هل أدركت أنك اليوم غير الأمس ؟!

هل استفزتك نداءات الشباب وقولهم : تفضل يا عمّ ؟!

بعد أن كنت تقولها سنين عددا ؟

هل أيقظتك قبلاتهم المتتابعة على رأسك في كل مكان تلتقي فيه بالشباب؟!!

هل ارَّقتك حسابات شركات التأمين التي تتعامل معك ولا تريد أن تخاطر مع رجل يسير في عشر الخمسين؟!

هل أوقفتك نداءات الأطباء والمراكز المتخصصة حين يربطون مزيد حرصهم بمن تجاوز الأربعين ؟!

أسئلةٌ وأسئلةٌ كثيرة حائرة ، لها حساباتها عند العقلاء !!

إي والله ..لها حساباتها عند العقلاء !

الرسالة الثانية: أقول فيها : يا من بلغت الأربعين هل انتبهت أن الله جل شأنه قد زكّى قدراتك وإمكاناتك واهتماماتك ، فقال عز من قائل : ( حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي ..)

ما أجملها من عبارات ، ختمت الماضي بما فيه من الجهد والكد في دروب الحياة ، وما نتج منها وعنها من خيرات العادات والعبادات .

برغبة هذا العاقل أن يعينه الله على الشكر ..

ثم يتبع هذا الشكر – لله وحده لا شريك له – بالاعتراف بفضل الوالدين حين يكمل دعاءه ويقول : ( وعلى والديّ ..) ؛ ثم الالتفات إلى النفس بعد طول شتات في دروب الحياة مع أمل بالله جل شأنه أن يبارك في الغرس الذي طالما رعاه واعتنى به حتى بلغ الأربعين ، ويتشوق أن تكتحل عينه بالثمرة فيقول: ( وأصلح لي في ذريتي )

ويختم دعاءه بالاعتراف بالتقصير مهما قدّم وبذل : ( إني تبت إليك وإني من المسلمين)

هذه منزلتك في ميزان القرآن الكريم يامن بلغت الأربعين إذا كنت من الموحدين ؛

هذا هو المؤمل فيك ومنك ، يامن وصلت سن الراشدين ، هذا هو النموذج الذي يحبه رب العالمين .

الرسالة الثالثة لمن بلغ الأربعين أقول فيها: إن الشباب اليوم ينظرون إليك نظر طالب القدوة، فلا تفسد هذه النظرات بمجاراة حماقات النفوس ، وسفاسف الأمور .

إن المؤلم أيها الفضلاء: أن تكتنز مواقع التواصل الاجتماعي برسائل ومقاطع خادشة للحياء !!

ومما يزيد في الألم والمرارة أن تكون ممن بلغ الأربعين أحيانا فتسقط هيبته ، وتتلاشى في نفوس الشباب قدوته .

وما المرءُ إِلا حيثُ يجعلُ نفسَهِ …

فكنْ طالباً في الناسِ أعلى المراتبِ

وهذا لا يعني أبداً أن نتكبر على الشباب ، بل القرب هو المطلوب، ولكنه قرب أصحاب الحكمة والمحبة والرحمة ، والاخذ بأيدي الشباب واستثمار طاقاتهم وحماساتهم التي لا غنى للأمة عنها ؛ فارتفاع العقلاء بسمو معاملاتهم ورقي ألفاظهم ، مع قربهم ومخالطتهم للشباب.

وأما ارتفاع الحمقى – أجلكم الله – ارتفاع ممقوت ، ولا يزيد صاحبه إلا سقوطاً ، قال بعض الحكماء : إياك وارتفاع الأحمق ، فإنه ارتفاع القرد في الشجرة ، كلما اعتلى فيها انكشف المزيد من سوءته !!

والموفق من وفقه الله .

دمتم بخير وصحة وسلامة

مجرد رأي 💫