هو الأمير الفاتح أبو سعيد مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية الأُموي القُرشي، أمير و وال أُموي، وسياسي ورجل دولة، وقائد عسكري، ومجاهد لا يتوقف، وفاتح لا يتراجع، نالت شخصيته إعجاب العلماء والمؤرخين.
ظل أكثر من خمسين عامًا يحمل سلاحه، ويسدد رماحه، ويذود عن حمى الدين، ويصون حرمات المسلمين، ويتقرب بالجهاد إلى الله رب العالمين.
كان مسلمة بن عبد الملك من أبطال عصره، بل من أبطال الإسلام المعدودين، حتى كانوا يقولون عنه إنه خالد بن الوليد الثاني؛ لأنه كان يشبه سيف الله المسلول في شجاعته وكثرة معاركه وحروبه، وقال عنه ابن كثير في كتابه “البداية والنهاية”: كانت لمسلمة بن عبد الملك مواقف مشهورة، ومساعٍ مشكورة، وغزوات متتالية منثورة، وقد افتتح حصونا وقلاعا، وأحيا بعزمه قصوراً وبقاعاً، وكان في زمانه في الغزوات نظير خالد بن الوليد في أيامه، وفي كثرة مغازيه، وكثرة فتوحه، وقوة عزمه، وشدة بأسه”.
وكانوا يلقبون مسلمة بن عبد الملك بلقب الجرادة الصفراء؛ لأنه كان متحلياً بالشجاعة والإقدام، مع الرأي والدهاء.
ومع أنه تولى إمارة أذربيجان وأرمينية أكثر من مرة وإمارة العراقيْن، لكنه ظل يواصل الجهاد، ويتابع المعارك، منذ أن تولى والده الخلافة؛ حيث تولى عبد المَلك بن مرْوان الخِلافة في رمضان سنة 65هجرية، وبقي خلالها مسلمة بن عبد الملك على هذه الروح البطولية حتى لحق بربه.
وهذه إشارات سريعة إلى بعض المعارك التي خاضها:
في سنة 87 هجرية غزا أرض الروم، ومعه يزيد بن جبير، فلقي الروم في عدد كثير، فقتل منهم بشرا كثيرا في المعارك، وفتح الله على يديه حصوناً.
وفي سنة 88 هجرية فتح مسلمة حصنا من حصون الروم يسمى طوانة، وكذلك غزا الروم مرة أخرى، ففتح ثلاثة حصون.
وفي سنة 89هجرية غزا أرض الروم مرة أخرى؛ حيث فتح حصن سورية، وقصد عمورية، فقابل فيها جمعا كثيراً منهم، فهزمهم بإذن الله، وافتتح هرقلة وغيرها.
وفي سنة 89هجرية غزا الترك، حتى بلغ الباب من ناحية أذربيجان، ففتح حصوناً ومدائن هناك.
ثم في سنة 92هجرية غزا مسلمة ومعه عمر بن الوليد، أرض الروم، ففتح الله على يديه ثلاثة حصون، وفي السنة التالية فتح مدائن وحصونا من ناحية ملطية.
وفي سنة 96 هجرية غزا أرض الروم صيفا، وفتح حصناً يقال له حصن عوف، وفي سنة 98هجرية حاصر القسطنطينية، وطال الحصار، واحتمل الجنود في ذلك متاعب شديدة .
وفي سنة 108هجرية غزا الروم حتى بلغ مدينة قيسارية وفتحها.
ثم في سنة 109هجرية غزا أرض الترك وبلاد السند، وفي السنة التالية غزا أرض الترك مرة ثانية، وظل يجاهد شهراً في مطر شديد حتى نصره الله.
وبعد ما يزيد عن نصف قرن من الزمان قضاها مسلمة بن عبد الملك في الثغور، مضى إلى ربه سنة 121 هجرية / 738 ميلادية.
“مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا”.
“أولئك آبائي فجئني بمثلهم
. إذا جمعتنا يا جرير المجامعُ
ملكنا بأقطاب السماء عليكمُ
. لنا قمراه والنجوم الطوالعُ”.
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته ورحم الله أبطال المسلمين العظماء.